أثير السادة * - 16 / 3 / 2006م
سوبربان هيئة الامر بالمعروف الجوّال واسع اتساع مفهوم الشبهة الذي سيبدو مادة سائحة وطيعة كلما تركناه لتقديرات الافراد في هذا الجهاز.
لن تعرف كم يبدو باب السوبربان واسعا الا اذا وقعت مثلي في قبضة يد الهيئة، واصبحت بسبب تجوالك العائلي في السوق محل شك وريبة، ما يكفي لدخولك في جولة مناورة مع الذين نذروا انفسهم لحراسة الفضيلة.
ستجد نفسك منخرطا في سباق سين وجيم احترازي كمقدمة لتحقيق طويل سيبدأ من عند السؤال عن الاسم والهوية وصفة المرأة التي تصاحبك في رحلة الشراء، والتي ستصبح في لحظة غياب دفتر العائلة مجرد عشيقة لا تنقذها حتى بطاقة ارامكو التي تشير الى لحقوها بي كزوجة، حتى تصل جولة الاسئلة عند حدود التفتيش الفكري الذي سيطال موقفي من عوالق الصراع الطائفي بين الفرق الاسلامية!.
حصل هذا وانا اجول كباقي خلق الله في اسواق حي سلطانة بمدينة الرسول الاكرم، يومها كنت زائرا لطيبة الطيبة، اتأمل كالاطفال رسوم العمران الحديث على خارطتها ولمسات الحداثة التي تتسرب من تلك المجمعات المتكاثرة، وافترض في ذهني ما يمكن ان يتركه هذا الاختراق للمدن التقليدية على الانسان وثقافته فيها.
وفي سهو من الزمان كان نسيان دفتر العائلة بالفندق تلك الليلة بمثابة الخطيئة التي سنحمل لاجلها صاغرين الى مكتب الهيئة، محشورين في سوبربان النزهة المفترضة، نزهة مليئة بالمفاجآت والتحولات في سياق الحدث الذي بدأ في الشارع وانتهى داخل الغرف الداكنة.
وجه زوجنا المكشوف كان هو فاتحة الخلاف مع افراد الهيئة، فقد ارتأت ان تلتزم بحدود الحجاب الشرعي، وارتأوا التشديد على صورة الغطوة والبرقع العربي، فيما فشلت مبكرا في اقناعهم بأن ثمة فسحة للاجتهادات في دائرة الاسلام وان هناك من لا يرى الوجوب في ستر الوجه.
في مكتب الهيئة تطورت المسألة من الكشف عن الوجه الى تعذر اثبات هوية الزوجة، الى حيازة مطبوعات مخالفة، ومن ثم بلغ المشهد ذروته الدرامية بالوصول الى جلسة مناصحة للعدول عن مذهب الضلال والحياد عن عقائد الشرك والكفر!.
ساعة ونصف الساعة قضيناها بكثير من المهانة والتعدي على الخصوصية الشخصية بالتفتيش الذاتي وفحص محتويات الجوال والمحفظة الشخصية..ولا شيء في كل ذلك الوقت كان له علاقة بدفتر العائلة او كشف الوجه، بل كان وقتا منذورا بكامله للتفتيش في الافكار والنيل من معتقدات الطائفة التي اتشرف بالانتساب اليها، حتى عمد الفريق المتواجد الى استدعاء شيخ آخر ليقوم بمهمة المناصحة التي شدد فيها على ضرورة اختيار طريق الحق بدل الركون الى المعتقدات الباطلة، وبدء بالقاء محاضرة لاثبات عدالة الصحابة، مارا بقضية تحريف القرآن، وفساد الرواة الشيعة، وتقولهم على ائمتهم،و منهيا جلسة المناصحة بدعوتنا للرجوع الى كتب احسان الهي ظهير وكتاب لله ثم للتاريخ والتي فيها ردود شافية كما يرى على تلك العقائد!.
لون البنفسج كان شاهدا تلك الليلة على عدد الاقرارات والتعهدات الوافرة التي بصمنا فوقها، تلك الاوراق التي تصب في تجريم الكشف عن الوجه والخروج من دون اوراق رسمية، مع الاصرار على مصادرة كل ما يتعلق بالمعتقدات الدينية في حقيبة الزوجة.
وبعد اللتيا واللتي خرجنا بشفاعة من شيوخ تلك السهرة في هيئة سلطانة وكلهم أمل ان يأخذنا الطريق الى الهداية!..خرجنا نبتسم للشوارع من شدة الذهول والحيرة، نبحث يمينا ويسارا عن سيارة اجرة تعيدنا الى جوار الحرم النبوي، هذا الحرم الشريف الذي قصدناه لنستذكر السيرة العطرة للنبي الكريم، نبي الرحمة ورسول المحبة، ولنشارك سائر المسلمين تضامنهم من هذا الموقع المبارك في انكار اساءات المسيئين له، فكان ان وسعنا المسجد بكل مآذنه الصادحة بذكر الله ولم تسعنا قلوب اولئك الذين لم يتجردوا من حماسة المصارعات الطائفية، ولم يستوعبوا هذه اللحظة التي نحاول جميعا فيها ان نؤسس لمفهوم التعايش واحترام الاختلاف.
• نسخة الى الجمعية الوطنية لحقوق الانسان.
• نسخة الى هيئة حقوق الانسان الحكومية.
• نسخة الى وزارة الثقافة والاعلام.
• نسخة الى الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ملاحظة: ينشر هذا المقال بعد جولة مفاوضات فاشلة دامت قرابة الشهر ابتدأت بجريدة اليوم ومن ثم الوطن فأيلاف وكلها انتهت بالتردد والاعتذار عن نشر المقال!
No comments:
Post a Comment