Friday, June 15, 2007

الشرطة الدينية.. محاولة لتفكيك الوظائف والممارسات 1/3



ناظم العلي * - 27 / 4 / 2006م

تبدو هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب النظام الناظم لنشاطها سلطة رقابية على الفعل والقول في السعودية، فهي معينة بتحقيق التطابق بين افعال الناس واقوالهم وبين التشريعات الاسلامية كما تقرها المؤسسة الدينية الرسمية متمثلة في جهاز الافتاء الرسمي ورموزها الاخرى التي تتسيد الخطاب الديني السلفي.

تملك الهيئة اذن بفروعها المنتشرة على خريطة الوطن ووفق القانون الصادر قبل ما يقرب من ربع قرن حق مراقبة العقائد والعبادات والاخلاق والآداب العامة ضمن عنوان حماية الدين، وهذا الاطار الواسع للنشاط هو الذي يخولهم للتدخل في قضايا كثيرة قد تبدو من اختصاص جهات اخرى، طالما لامست تلك العناوين او تشابكت معها بنحو او بآخر.


ترى الهيئة نفسها مسئولة عن مراقبة الشباب في سلوكهم ومظهرهم جنبا الى جنب مع مراقبة الكتاب في كتاباتهم ووضعهم على مشرط الفحص الشرعي
ثمة تفويض صريح يؤسس له النظام المذكور، يجعل للهيئة سلطانا حتى على افكار الناس وعقائدهم، يبدأ من الحيلولة دون اظهار غير المسلمين لعقائدهم، مارا بمنع المطبوعات المخالقة للعقيدة الاسلامية في نسختها السلفية، ومنتهيا عند صد البدع والممارسات الدينية غير المنصوص عليها في المذهب الرسمي للدولة.

لذلك ترى الهيئة نفسها مسئولة عن مراقبة الشباب في سلوكهم ومظهرهم جنبا الى جنب مع مراقبة الكتاب في كتاباتهم ووضعهم على مشرط الفحص الشرعي، ومعنية كذلك بفصل الرجال عن النساء في الاسواق ومنع المسلمين من المذاهب الاخرى عن زيارة قبور الاولياء على حد سواء.

معضلة هذا النظام الذي يشرع للهيئة اطلاق يدها والتدخل في كل شيء انه صيغ بصيغة تتجاهل حركة المجتمع وتحولات الحياة من جهة، وتغافل عمدا عن حالة التعدد المذهبي الذي يعيشه الوطن من جهة أخرى، والذي سينتج عنه بالضرورة التعدي على حقوق المذاهب الاخرى التي تصنف افعالها واقوالها في منظور الخطاب السلفي ضمن قائمة البدع والمخالفات الشرعية، الامر الذي يشرعن بالتالي للهيئة تجاوزاتها المتكررة على ابناء الطواف الاخرى، ونيلها من حريتهم الاعتقادية.

لقد كشف النظام القائم لهذا الجهاز عن اشارات واضحة لا تحتاج الى اي تأويل تجرم افعال المذاهب الاخرى في المسائل الخلافية حين ترك الباب مشرعا لمفهوم البدعة في التصور السلفي، وامتنع عن وضع ضابط قانوني لحماية حقوق تلك المذاهب، واذا كان هذا مفهوم في الحقب الفائتة على اعتبار ان التستر الرسمي على حقيقة التعدد المذهبي في السعودية كان سياسة قائمة، فلن يكون مفهوما اليوم والدولة لا تتحرج من الحديث العلني عن وجود المذاهب وتدعي المساواة فيما بينها.


معضلة هذا النظام الذي يشرع للهيئة اطلاق يدها والتدخل في كل شيء انه صيغ بصيغة تتجاهل حركة المجتمع وتحولات الحياة من جهة، وتغافل عمدا عن حالة التعدد المذهبي الذي يعيشه الوطن من جهة أخرى
هنا يتجلى المسكوت عنه في نظام الهيئة، حيث دائرة الممنوعات والمباحات تخضع في الجانب العقائدي الى تقنينات الفكر السلفي الوهابي والذي عرف عنه تبديع الكثير من الافكار والممارسات في المدراس الاسلامية المختلفة، وهذا ما يجعله بداهةً في مواجهة مستمرة مع اطياف واسعة من هذا المجتمع، ويجعل منهم متهمين على الدوام في نظر القانون، كما يجعل الفسحة من التسامح التي تتكرم بها الدولة على ممارسات المذاهب في مواقعهم قابلة للتضييق بين وقت وآخر، لأن الاصل هو حق الهيئة في تطبيق لوائح وانظمة الاحتساب وليس حق المواطن في ممارسة حريته الاعتقادية.

ولا احسب ان لدى السلطة اي نية لتعديل نظام الهيئة، وان كانت هناك تقييدات جديدة على حركتها في بعض المناطق، فضلا على ان الهيئة لم تظهر اي تفاعل ايجابي يذكر مع توصيات جولات الحوار الوطني المستمرة، بل سعت الى ان تنأى بنفسها جانبا بعيدا عن كل تداعيات الحوار الوطني الجاري وما كان يدفع اليه من اعادة اعتبار المواطنة لابناء المدارس الاسلامية التي كانت موضع هجوم مستمر من قبل مناهج التعليم ومنابرالمساجد تحت عنوان الفرق الضالة او السلوكيات الشركية، كما لم نسمع قولا للهيئة يلمح الى مباركتها لهذا الاتجاه، او اتجاه القمة الاسلامية الاخيرة بمكة المكرمة والذي اكد على احترام الطوائف الاسلامية بما فيها الشيعة.

لهذا لا يمكن اعتبار حالات الاعتقال والاستجواب والمضايقة التي تقوم بها الهيئة بين وقت وآخر لاشخاص على خلفية طائفية مجرد اجتهادات شخصية، بل هي جزء من وظائف هذا الجهاز الذي آن الوقت لاعادة النظر فيه من اجل تجريده من كل معاول الهدم الطائفية، وتخليص المجتمع من كوابح الحرية فيه.

No comments: