ناظم العلي * - 1 / 5 / 2006م
عندما يذهب أهلك الى السوق، فأي سوق تفضل؟
• سوق تتواجد فيه دورية الهيئة.
• أم سوق تتواجد فيه دورية الهيئة!.
يشبه السؤال الوارد اعلاه واحدة من النكات التي يطلقها الناس ضد الهيئة، فهو يؤمي بتهكم الى الهيئة بوصفها قدرا مفروضا لا فرار منه الا اليه، خيارنا الوحيد الذي نملك ان تختاره في هذه المعادلة، انها المتاهة التي نبدأ منها وننتهي اليها انى اتجهنا!.
هذا السؤال الذي يتصدر الموقع الرسمي لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة المدينة المنورة - وقد تدخلنا في صياغة الخيار الثاني منه تهكما - ينقلنا مباشرة الى المنطقة القلقة في عالم هذا الجهاز، الا وهي صورة الهيئة كما يراها الناس وكما يستحضرونها في اذهانهم، على اعتبار انها قد جعلت من حماية المجتمع واحدا من اهدافها والذي يندرج ضمن انشغالها بتطبيق الشريعة الاسلامية عبر الحفاظ على الآداب العامة.
تحليل بسيط لهذا السؤال سيكشف لنا عن رغبة الهيئة في ايجاد لغة احصائية تدعم موقفها وصورتها في الشارع العام، تشرعن لها وجودها، وتمنحها رخصة لمزيد من التمدد في الاسواق والمواقع العامة، ليتسنى لافرادها ممارسة الاحتساب في تلك الاماكن التي ترى فيها الهيئة موئلا للموبقات والمخالفات الاخلاقية.
من المؤكد ان الهيئة لا تريد مشاورة الناس في امر انتشارها في الاسواق، ولا تنوي مناقشة امر بقائها من عدمه فيها، فهذا ببساطة خارج الاختصاص، وينظر اليه باعتباره واجبا دينيا لا ينبغي التخلي عنه لاي سبب من الاسباب، لكن الاكيد انها تريد اختبار لغة جديدة في مواجهة الاصوات التي تشكك في جدوائيتها، خاصة بعد تسرب الكثير من الامتعاضات والاعتراضات على سلوكهها ووجودها الى وسائل الاعلام.
لم تعد المواجهة التي تجري في الصحافة مقتصرة على عدد من الكتاب والمثقفين الذي يرمون بالليبرالية والعلمانية، فقد انضم اليها المواطن العادي بشكاواه المتكررة من سلوك افراد الهيئة وتعديهم على الحرية الشخصية.
لقد اظهرت القصص المتفرقة عن صدام الهيئة واشتباكها مع المواطنين في مواقع عملها، والتي تراوحت بين المشادات الكلامية والضرب، اظهرت حجم الشروخ التي بدأت تتنامى في العلاقة بين الشارع والهيئة، الامر الذي اخرج تلك العلاقة عن حدود الصورة الجميلة التي تحاول الهيئة رسمها على الدوام، في ما يمكن ان يعد اشارة على وجود خلاف بين الطرفين على طبيعة وظائف هذا الجهاز وآلية تنفيذها.
تتنوع الشكاوى في هذا الشأن غير انها جميعا تقترب من حدود صيانة الحرية الشخصية، أي استحالة الرقابة التي تتعهد بها الهيئة الى تضييق لعنوان الحرية الشخصية، وبالتالي حرية المجتمع، هذا المجتمع الذي يمضي بتركيبته الديمغرافية المنحازة للعنصر الشاب باتجاه الانفتاح وتأسيس سؤال الحرية الخاص به، والذي يفترق عن صورة الحرية التي تنتجها الهيئة بوصفها ذراعا لخطاب ديني متشدد.
قد لا ترقى نبرة الاحتاج في الشارع الى حد الدعوة الى انهاء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كشعيرة دينية، وكحاجة اجتماعية، غير ان الارباك الناشئ عن نظام هذا الجهاز او المؤسسة قد اوجد انطباعا بأن الهيئة قد تكون الجواب الخطأ الذي قدمته الدولة عن سؤال جاد وصائب يصب في حفظ النظام اولا واخير لهذا المجتمع.
بات السؤال الاكثر مشروعية الآن هو هل يريد الناس حقا مأسسة هذه الشعيرة في جهاز مستقل كالهيئة وتوريط طابور من المتعصبين فيه، ام يفضلون ايكال المهمة الى الشرطة والمعنيين بحفظ النظام العام، بما يعنى تذويب الهيئة بكاملها في المؤسسات القائمة واسقاط بعض الوظائف لعدم جدوائيتها او لاتصالها باجهزة نظامية اخرى.
هذا السؤال سنجد اجابته عند وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبدالعزيز، وذلك في الجزء الثالث من الحلقات.
No comments:
Post a Comment