Friday, June 15, 2007

نجدستان




حسين العلق * - 7 / 4 / 2006م

ضمن سلسلة الأنشطة الطلابية ردا على حملة التشويه التي تعرض لها نبينا الأكرم حدث قبل أسابيع قليلة وأثناء ندوة مقامة حول شخصيته في إحدى مدارس البنات في مدينة القطيف أن ارتفعت -على عادة المحافل الشيعية -أصوات الطالبات والمعلمات وجلهم من الشيعة بالصلاة على النبي ثلاثا، فما كان من مديرة المدرسة غير الشيعية «بطبيعة الحال» إلا أن استدعت المعلمات والمشرفات على الندوة لاحقا وهزأتهن على ممارستهن «بدعة» الصلاة على النبي.

وحدث ذات الشئ تماما في ثانوية الربيعية للبنات بجزيرة تاروت وأثناء ندوة مشابهة إلا إن مديرة المدرسة هذه المرة لم تنتظر حتى انتهاء الندوة، بل قفزت على خشبة المسرح في حينها وشرعت في التهجم على الجميع لممارستهن «بدعة» الصلاة على النبي بصوت واحد وبشكل جماعي، بل زادت على ذلك كما روى طالبات أن أمرتهن في اليوم التالي أن يرددن النشيد الوطني السعودي ثلاث مرات!!

ينظر الكثيرون في العالم الإسلامي إلى تجربة حركة طالبان في حكم أفغانستان التي دامت أربع سنوات، والتي انتهت بالضربة القاضية الأمريكية وذهبت مع الريح نهاية 2001، ينظر لها الكثيرون باعتبارها التجربة الأسوأ لما يدعى ظلما بالحكم الإسلامي، وهذا صحيح إلى حد بعيد.. الا ان نظرة «غير» فاحصة لواقعنا اليومي في هذه البلاد تكشف لنا دون أدنى شك أن «طالبانية» أخرى لا تقل سوء عن الأولى تعيش بيننا وتتحكم بأنفاس العباد والبلاد وتتدخل في أدق خصوصياتهم وتفتش عن نواياهم، بشكل يفوق ربما الطالبانية السالفة في قندهار..

ولعل فيما كشف عنه السيد أثير السادة في مقالته الأخيرة من كوميديا سوداء مورست بحقه وزوجه قبل أسابيع قليلة على يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينة المنورة، ما يذّكر بعنف وسطوة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت تحت ظل حكم طالبان، إلا إن الواقع هو أن الهيئة هنا وهناك توأمان سياميان شكلا وجوهرا، وحوادث التعدي على من هم من غير «الفرقة الناجية» أكثر من أن تحصى ولا حاجة للإعادة والتكرار.

ولعل أحد أكثر أسوأ الممارسات الطالبانية كان ممارسة التكفير بحق المسلمين الآخرين فلا يزوجون ولا يتزوج منهم ولا تقبل لهم شهادة حتى على عقد زواج! هنا أيضا لا داعي للتذكير، فقصة السيد علاء السادة لا زال حبرها طريا لم يجف بعد..

أما ممارسة العنف وتصدير الإرهاب الأعمى والإرهاب الفكري فكانت السمة التي لا ينكرها طالباني واحد، فهم يتعبدون الله «بالجهاد» ضد خلق الله بل وعباده من إخوانهم المسلمين «المشركين» بزعمهم، فلم تسلم طائفة إسلامية ولا قومية إلا وطالتها الشرور الطالبانية في بلاد الأفغان.. وهنا أيضا كذلك، طالبانيونا لم ينفكوا عن مهاجمة المجمعات السكنية ودوائر الأمن العام والمنشئات النفطية، وصولا الى قوائم التحريض الطائفي على سفك الدماء وتدمير المقدسات وإشاعة القتل والدمار في دول الجوار.

أما عن الإرهاب الفكري فحدث ولا حرج، فغبار الفوضى والملاسنات والتعدي على ضيوف الندوة التي أقيمت على هامش معرض الرياض وبحضور شخصيات كبيرة من الدولة! أكثر من أن تعرّف.

وإذا ما أصبح «تعليب» النساء في البيوت عادة طالبانية بامتياز، فإن ذات العادة موجودة هنا كذلك، فالآلاف من خريجاتنا الجامعيات يقبعن في البيوت بانتظار «فرج الله» والانعتاق من الفكر الطالباني! والأسوأ فصل النساء من وظائفهن كما حدث للخريجات الخمس في منشأة أرامكو في الخرج والعاملات كمحضرات مختبر، وقد فصلن بضغط مباشر من «الهيئة» التي استصدرت قرار الفصل من محافظة الخرج«لحماية المجتمع من خطرهن» حسب صحيفة الوطن! لا لشيء إلا لأن ذات الفكر الحاكم في قندهار وجد من يتبناه ويطبقه هنا قولا وعملا.

وفي حين اتضح مدى السطحية العجيبة لدى طالبان الأفغان من خلال تدمير التماثيل البوذية في باميان بحجج تضحك الثكلى، فإن «مذبحة» أخرى تتعرض لها الآثار الإسلامية والتراث النبوي الشريف في مكة المكرمة والمدينة المنورة هذه المرة، ومنذ زمن بعيد، وتحت سمع ونظر العالم الإسلامي! ولذات الأسباب الطالبانية التي دمرت تماثيل باميان!

أما عن التقنية الحديثة من التلفزيون والسينما والمسرح والجوال «ابو كاميرا» فهي أعدى أعداء القوم، كما كان التلكس والهاتف عدوهم سابقا، وفي حين عمدت طالبان إلى تحطيم أجهزة التلفزيون وحرق دور السينما وإلغاء محطة التلفزيون الرسمية أيام حكمهم، فهم هنا كذلك كانوا يقنصون أطباق الالتقاط الفضائي بـ«السكتون» و«أم صجمة».

أما المسرح والسينما فهي لا تزال تمثل الشيطان الأكبر بنظرهم، دون أن يدرون سامحهم الله بأن من يريد الشيطان فهو موجود في غرفة نومه لا في السينما التي قد لا تعدو عن «غصب 3» جديدة.

الحاصل، ان ما يجري ههنا أن هناك من يعمل بجد على إقامة دولة الخلافة على ارض الواقع دون أن يعلن ذلك صراحة لافتقاده الظروف والأجواء اللازمة والتزاما بمبدأ التقية قولا وفعلا.

إن قراءة سريعة لأحداث الشارع المحلي والصراع القائم بين دعاة التسامح والانفتاح ودعاة الفكر ألظلامي يكشف بما لا يدع مجالا للشك أن هناك من يتشبث باستماتة وباسم الدين بمكتسباته السياسية الماضية، وهي في مجملها ملامح فاقعة الألوان لإمارة «نجدستان» على غرار طالبان، يكون فيها هذا الطرف هو اللاعب الوحيد والحاكم بأمره، والمسطرة التي يقيس عليها إسلام وتقوى عباد الله، والجاهز دوما لوصم الآخرين بالبدعة والشرك والكفر.. حتى لو كانت درجة الاختلاف تكمن في التعبير عن حب النبي الأكرم بالصلاة عليه على غير طريقة «الفرقة الناجية».

حقيقة الأمر أن العقلية الطالبانية والفكر القندهاري ليس مربوطا برقعة جغرافية معينة هي إمارة طالبان البائدة.. بقدر ما هي قناعات آيدولوجية متطرفة تعززها انماط سلوكية أكثر تطرفا قد تأخذ طريقها بدرجة أو أخرى إلى أي ساحة أخرى، وهي بهذا المفهوم قائمة في بلادنا حقيقة ومنذ زمن بعيد في عقول أكثر من تحصى، في دوائرنا الرسمية وغير الرسمية وفي أروقة جامعاتنا ومدارسنا وكما أسلفت لا نحتاج لمعرفة ذلك لنظرة فاحصة. وما لم تكن هناك إجراءات حقيقية توقف كل متجاوز عند حده وتعاقب كل تكفيري بحزم.. فسيكون هناك الف تكفيرية وتكفيري كالنسخة الموجودة في ثانوية تاروت للبنين، وحينئذ لن يكون الكلام الطويل العريض عن الحوار والتسامح والوسطية أكثر من حرث في الماء.

No comments: