Thursday, June 7, 2007

زيادة رواتب رجال الهيئة لمصلحة من تأتي هذه المكافأة


حسن المصطفى



كان خبر زيادة رواتب رجال الحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) خبرا مفاجئا، وغير متوقع للكثيرين، بسبب الانتقادات الكثيرة الموجهة للهيئة، وبسبب الوضع المعقد أمنيا، وسياسيا، ودينيا، واجتماعيا، الذي تعيشه المملكة، مما يجعل أي خطوة محل رصدٍ من قبل الآخرين، يحللونها، ويقرؤونها، ويجيرونها بشكل يضر بالواقع الداخلي، بل يزيده تعقيدا وغموضا.
الزيادة لم تكن قليلة، فقد أتت بواقع 20% من الراتب، أي خمس الراتب تحديدا. فإذا كان راتب أحدهم خمسة آلاف ريال، فسيكون ستة آلاف ريال بفضل هذه الزيادة السخية، التي يغبط رجال الهيئة عليها الكثير من العاملين في القطاع الحكومي، وخصوصا من الموظفين ذوي الدخل المحدود، والذين لا تتجاوز رواتبهم الألفين ريال.
لو حاولنا أن نقرأ الزيادة وما تعنيه، فإنها ستحيل لمعاني المكافأة، والتقدير، والشكر، والامتنان، قِبال ما يبذله الفرد المكافأ من جهود وأعمال. أي أن هذا الفرد لا يقوم بواجبه الوظيفي وحسب، بل يقوم بأكثر من ذلك، وعلى أحسن وجه، مما يستدعي مكافأته، وتقديره. أضف لذلك أن هذه المكافأة تعطي الشخص المكافأ ثقة بنفسه، ومزيدا من التشجيع على ممارسة العمل، مؤكدة له صحة وصوابية ما يقوم به، معززة ذاته، ومثنية على فعله. وهي من جهة أخرى رسالة للآخرين تقول فيها أن هذا الشخص يمثل (قدوة) لكم، عليكم أن تحتذوا به، لتنالوا ما نال من تقدير وزيادة. ولكي تنالوا هذه الزيادة عليكم أن تتأملوا في عمله لتخطوا خطاه، وتتبعوا منهجه.
ربما يعتبر البعض أن هنالك مبالغة ما في القراءة السابقة لمعنى الزيادة وما تحيل إليه وما تكتنفه من معانٍ ورسائل في داخلها، لكن هذه القراءة ليس بالمبالغ فيها، خصوصا إذا تمعنا أكثر في الحقل الذي أتت فيه الزيادة، حقل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهو حقلٌ تابع للخطابات الدينية، وهي عادة خطابات تمتاز بوثوقيتها الزائدة، وإيمانها العميق بصحة مقولاتها وأفعالها، التي لا يدانيها الباطل في شيء، لذا كانت الزيادة معمقة لهذا الشعور بالصوابية المطلقة، وإن حاول البعض ممن ينتمون لهذه الخطابات أن يخفف منها، مدعيا عدم العصمة، ومعترفا بوجود بعض الأخطاء (الصغيرة) من بعض الأفراد، الذين اجتهدوا فأخطأوا فلهم أجر اجتهادهم!. من هنا كانت زيادة أجور رجال الهيئة، مبعث استغراب الكثيرين، الذين يتساءلون عن سبب هذه الزيادة، وفي هذا الوقت الحساس بالذات. وقت تتزايد فيه الانتقادات لهذا الجهاز الحسبوي، وتتعالى فيه الأصوات بضرورة ضبط تصرفاته، ومراجعة هيكليته وبنيته الفكرية والفقهية، بغية الحد من السلبيات التي حدثت، بسبب غلو وعدم دراية وتعنت جزء من منسوبيه. لذا كان الأولى بدل تقديم هذه المكافأة، أن تتم عملية غربلة حقيقية لا شكلانية لهذا الجهاز، تجعله أداة أمن لا خوف، وأداة بناء لا هدم، ليواكب مسيرة الإصلاح والتحديث، وليواكب التطور السياسي والاجتماعي والفكري الذي تسير نحوه البلاد.
كثير من الأسئلة تسمعها من المنتقدين للقرار: لماذا تتم زيادة رواتب رجال الهيئة دون غيرهم؟ ولماذا لم تشمل الزيادة باقي موظفي القطاع الحكومي؟ وما الحكمة في هذا التخصيص؟. وهي أسئلة مشروعة يواجهك بها المواطن العادي، الذي يتأمل هو الآخر في زيادة راتبه، ليحسن من وضعه المالي المتردي. هذه الأسئلة ترفدها وجهات نظر أصحابها، الذين يعتبرون أن هنالك من هم أحق بهذه الزيادة، كرجال الأمن الذين يعملون على مطاردة الخلايا الإرهابية ويعرضون أنفسهم للخطر والموت المحتمل، كما طرح ذلك الكاتب صالح الشيحي، في عموده اليومي بجريدة الوطن. أضف لهؤلاء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هنالك قطاع التعليم، بمنسوبيه من معلمين، يعانون من انخفاض رواتبهم، ويتبرمون من غياب المحفزات المالية، وهم أولى من بهذه الزيادة، كونهم يشرفون على تعليم الجيل الجديد، فهم من سيعدونه علميا وفكريا وتربويا، وهي عملية في غاية الأهمية.
•••
القراءة الخارجية لهذا القرار، هي أيضا قراءة لا تقل أهمية عن القراءة الداخلية. فخارجيا كانت الهيئة محل نقدٍ متواصل، وكانت إحدى الأوراق التي يتم عبرها الضغط على المملكة في اتهامها بالإرهاب وتصدير الفكر المتطرف. هذه الزيادة ستجعل الخارج يقرأها بوصفها إصرارا على دعم التطرف، وإصرارا على التحالف مع الإسلامويين، مما سيضر بسمعة المملكة من جهة، وما سيجعل ورقة الضغط هذه باقية بيد أعداء البلاد، ملوحين بها بين الفينة والأخرى.
كان من المفترض في هذا الوقت الحساس، أن نسقط جميع أوراق الضغط من يد الجهات الخارجية، وتحديدا أمريكا وإسرائيل، لكي لا تكون هنالك حجة توجه بسببها التهم للملكة، بدلا من إعطائهم ذريعة يستخدمونه للضغط بين وقت وآخر.
عدم إعطاء الذريعة ليس من باب التنازل أو الخوف، وليس من باب التخلي عن القيم الإسلامية، وليس من أجل عيني أمريكا وإسرائيل، وإنما من أجل صالح البلاد أولا وأخيرا، محاولين التخفف من مواجهة العاصفة والدخول في حرب كلامية وعقدية معها، ومنشغلين بعملية البناء والنقد والمراجعة الذاتية، وهي مراجعة تنبع من حاجتنا لها، قبل أن تكون نابعة من املاءات خارجية. فهل تتم مراجعة القرار، وهل تتم مكاشفة الذات بأخطائها، لنسير في الطريق الصحيح، دون أن تنحرف بنا السبل، ودون أن نقع في مطبات نحن في غنى عنها؟.


No comments: