حسين العلق - 2 / 5 / 2006م
بداية، لا أخفي مدى الصدمة التي شعرت بها وأنا أقرأ مأساة الشابة أمينة المسكين، وما وصفته في حديثها من معاناة تقشعر لها الأبدان وهي بين براثن من يفترضون في أنفسهم حراسا للفضيلة وحماة للعرض والشرف! ويزايدون على الآخرين في احترامهم للمرأة!
ولقد كشفت قصة هذه الطالبة ذات التسعة عشر ربيعا جملة حقائق مؤلمة؛ أولها أن جهازا بارزا محسوبا على الدولة لا يزال يدار بعقلية المليشيا غير المنضبطة، والثانية غياب السلطة تماما من المشهد، والثالثة كذب مزاعم التكفيريين حول حراسة الفضيلة.
أمر بالمعروف أم عمل ميليشيا؟
من الواضح جدا أن طريقة القبض على أمينة على يد رجال الهيئة كانت أقرب لأعمال الخطف التي تمارسها الميليشيات المسلحة في الدول المنفلتة أمنيا منها لأي شيء آخر، فأي آمر بالمعروف هذا الذي «يسترجل» على فتاة ضعيفة ويستقوي عليها وسط الشارع؟ وأي دين هذا الذي يبيح لأصحابه امتهان كرامة امرأة وأن يعتدي عليها بالجلد بالعصي والتوقيف في دورات المياه لوشاية كيدية واضحة وفاضحة.
من الصعب تحت أي ظرف من الظروف تبرير حجم الشراسة والوحشية التي مورست بحق أمينة بعيدا عن وجود دوافع طائفية مستفحلة تنوء تحت وطأة الأحقاد المذهبية، يزيد من أوارها التوتر الطائفي القائم عبر الحدود، ولا نقول ذلك من منطلق فوبيا مذهبية كما قد يتصور بعض البسطاء، وإنما لأن ملابسات مأساة أمينة والشرارة الأولى والتهمة الأساس كانت «تضليل بنات المسلمين للمذهب الرافضي» وهي تهمة تستبطن كل معاني الأحادية وتكفير الآخر ونبز أبناء المذاهب الأخرى، وهذه التهمة كانت بمثابة الفتيل الانفجاري لكل تجاوز مباح في نظر هؤلاء.
ولعل قائلا يقول صادقا أن ذات التجاوزات أيضا تحدث يوميا لأبناء وبنات السُنة في عرض البلاد وطولها ولا يمارسون مع ذلك «تسييس» القضايا كما يفعل الشيعة؟ هنا لا نملك إلا الطلب من أصحاب هذا القول بأن يزودونا بحادثة واحدة شبيهة بمأساة الطالبة أمينة حيث الاختطاف والاعتداء بالضرب وامتهان الكرامة بهذا الشكل ومن قبل جهاز رسمي.
ومن ثم نقول ردا على أصحاب هذا المنطق مع كامل المراعاة لمشاعرهم؛ اننا في الوقت الذي بتنا متأكدين تمام التأكد من الأحقاد الطائفية المقيتة التي تقف خلف إيقاف أمينة.. نعرف وتعرفون بأن دوافع إيقاف الآخرين على الجانب الآخر هي لأسباب أخرى أبعد ما تكون عن أي نزعات مذهبية.
وعليه يمكن القول باختصار، أن مأساة أمينة تمثل في جانب منها انعكاسا وامتدادا سيئا للوجه البشع للجدل الطائفي والسجال المذهبي الذي أخذ طريقه بعد الكتب الصفراء والمنتديات الالكترونية الطائفية إلى شاشات الفضائيات المفلسة.
أين سلطات حفظ القانون؟
والحقيقة الأخرى التي كشفتها مأساة أمينة هو الغياب التام لسلطات الأمن وحفظ القانون، فإذا ما مارس رجال الشرطة هوايتهم المزمنة في المعرفة والوصول المتأخرين في أي حادثة، فأينهم الآن بعد مرور أيام على هذه الحادثة؟ وبماذا نبرر صمت القبور هذا؟ فهل يا ترى لم تعد للمواطن.. أي مواطن قيمة تذكر بشكل يستدعي إجراء تحقيق أو الإدلاء بتعليق واحد على الأقل، أم أن المسألة «ناس وناس»؟
ففي الوقت الذي نرى البلد تقوم عن بكرة «أمها» وأبيها لحادثة تحرش بعض الصبية في نفق النهضة في الرياض ببعض الفتيات، حتى لم يبق صاحب رأي ولا مسئول إلا وأطل علينا بطلته البهية محتجا ومعلقا، فيا ترى أي من الحادثتين أخطر؟ أليس تجاوز أحد أجهزة الدولة بهذا المستوى من انتهاك حقوق الإنسان وامتهان كرامة المواطن واختراق كل النظم والقوانين المعمول بها في البلاد، أشد خطرا وتهديدا لهيبة الدولة أولا وللنسيج الاجتماعي في البلد ثانيا وعاشرا وأخيرا؟.
واهم جدا من يتشبث بسياسة الاسترضاء لضبط مؤشر التطرف والإرهاب في تعامله الحذر بالتيار المتشدد والمتغلغل في مفاصل البلد، فقد أثبت التيار التكفيري على مدى مائة عام من تاريخ الدولة أنه لا يقيم وزنا لأي معادلة سياسية، بل كان كثيرا ما يتحين الفرصة للانقضاض ساعة يشاء، ولكم في اخوان العشرينات وجهيمان وأخيرا القاعدة خير برهان.. ان كنتم تحبون الناصحين.
حراس الفضيلة!
تاريخيا كان البدو أكثر الناس تزمتا وانغلاقا وإغلاقا على «حريمهم» فدون ذلك تسفك الدماء وتزهق الأرواح، وربما حق لهم ذلك أحيانا كثيرة، لكن ذات البدوي الذي قد يدفع حياته ثمنا للحفاظ على شرفه وعرضه تجده لا يتردد في ساعة نزق في أن يُغير على القبيلة المجاورة ويسبي الذراري ويستبيح كل المحرمات!
ذات الشيء تماما يتكرر أمامنا بصورة واضحة في المشهد الطائفي القائم، فترى الواحد من هؤلاء التكفيريين يزايد على المعتصم في نخوته وغيرته، حتى ليخيل اليك أن «بلاعيم» الواحد منهم ستخرج من خلف الشاشة لفرط حماسته وغيرته المزعومة على النساء، وهو بذلك لا يتردد في وصم كل من ينادي بحق من حقوق المرأة بالليبرالية والحداثية والعصرانية والانحلال الاخلاقي قائلا فيه أكثر مما قال مالك في الخمر، ما يستبطن اعتدادا مبالغا بالنفس وحماية الشرف والغيرة والحمية على الأعراض، لكن حقيقة الأمر أن الممارسات على أرض الواقع تكشف يوما بعد آخر أن جلّ هذا الكلام لا يعدو عن كونه ذخيرة ثقيلة لقصف الآخرين في معركة طرفها الأول أنصار كهوف تورا بورا والآخر من يريد لهذا البلد أن يكون صالحا للاستخدام الآدمي في القرن الواحد والعشرين.
والحاصل، لضمان تجانس اجتماعي آمن للبلد وحتى يكون هذا الوطن جديرا بالاحترام في نظر مواطنيه والعالم، ولرد شيء من الاعتبار لأمينة وكل غيور جرحت كرامته لجرحها، تقتضي طبيعة الأشياء أن يُفعَل عنصر المحاسبة وعنصر «الضرب بيد من حديد» الذي تعودنا على سماعه مساء كل جمعة، وليأخذ القانون مجراه في محاسبة جميع «المسترجلين» المتورطين في هذه الحادثة المشينة والتي ستظل وصمة عار في جبين كل شريف في هذا البلد حتى يعود الحق إلى نصابه.
No comments:
Post a Comment