Friday, June 15, 2007
رسالة إلى هيئة الأمر بالمعروف
صالح إبراهيم الطريقي * - « جريدة «شمس» السعودية » - 3 / 7 / 2006م
الكتابة بشكل مباشر وواضح لقطاع كبير يرى نفسه حارسا للفضيلة «وهو كذلك وإن لم يكن حارسا لكل الفضيلة»، أمر فيه الكثير من المخاطر، على مستوى عشاق هذا القطاع يمكن لأي فرد منهم أن يقول وبيقين لا يضاهيه يقين دخوله للجنة «ما بقى إلا لاعب كورة» حتى الرياضة أصبحت خطيئة، وسيضيف «انتظروا قيام الساعة إنه الرويبضة»، ولا يهمه ما الذي قيل وما هي تلك الفكرة التي طرحت، لأن الفكرة لا قيمة لها إن خرجت من شخص لا يلبس بشتا ويرتدي عقالا، فالفكرة بالنسبة لهذا العاشق المغيب لعقله لا يمكن لها أن تكون صحيحة ما لم تكن مرتدية ثيابا لها مواصفات خاصة جدا، ومتجهمة جدا، وتهدد وتتوعد من يخالفها أن مأواه النار وبئس المصير.
من جهة أخرى المعنيون بهذا القطاع يرون أن ما يقومون به من المفترض أن يشكروا عليه لا أن ينقدهم أحد، وفي أحايين نادرة يرون من ينتقدهم ما هو إلا شخص يريد إشاعة الرذيلة في المجتمع، لأنهم ينطلقون من فكرة أنه يمكن لفرد إفساد مجتمع بأكمله، وهذا لا يمكن له أن يحدث ما لم يكن المجتمع قابل وعلى نحو ما أن يفسد.
فالطبيعي أن يضطهد المجتمع الفرد، وأن تضطهد الأسرة الطفل والمراهق، والمؤكد أن الفرد هو من يكون ضحية فالمجتمع و«أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» أي يفسداه.
ورغم هذه الألغام التي يمكن أن تنفجر بالكاتب فيطرد من الملة، سأحاول لعل الرسالة تصل.
أعزائي رجال الهيئة..
لا أشك أبدا بنواياكم الطيبة، وأعرف أن الأسرة والمجتمع والمؤسسات لم تعمل على بناء ضمير داخلي للفرد منذ الصغر، واعتمدوا على أن يكون هناك رقيب خارجي، هذا الرقيب إن اختفى يمكن للفرد أن يؤذي الناس بالطرقات ويفعل ما بدا له، لأن كل شيء مباح إن لم يكن هناك رقيبا، حتى إشارات المرور تستباح إن لم يكن هناك رقيب أمامها.
إن ما يحزنني أنه وبسبب خطأ ما في زمن ما من تاريخنا، تحول مسار هيئة الأمر بالمعروف وتقلص دورها وهمش إلى أن أصبحت مهامها مطاردة شاب وفتاة، معتقدة أنه هنا يكمن جوهر صلاح المجتمعات أو فسادها.
مع أننا حين نعود للتاريخ، يخبرنا أنه لم يتم مطاردة أي فرد، فابن ماعز والغامدية رحمة الله عليهما هما من جاءا ليتطهرا من خطيئتهما.
حتى عمر بن الخطاب لم يكرر مطاردة الفرد في بيته، وراح يطارد الفقر ليقتله.
فالفقر هو اللبنة الأولى لفساد أي مجتمع، هو أيضا الابن الشرعي للظلم، فالإنسان يكف عن الإنتاج حين يستشعر ظلما، وأن هناك من يأخذ جهده وعرقه ولا ينصفه، ولأنه لا يستطيع مواجهة المؤسسات والأغنياء، يكف عن الإنتاج.
أعزائي رجال الهيئة..
كان من الطبيعي أو هو من الطبيعي أن تتطور فكرة «هيئة الأمر بالمعروف» مع تطور المجتمعات، لتلعب الدور الذي تلعبه الآن «هيئة حقوق الإنسان».
فتقف مع الموظف لتنصفه من المؤسسات التي تضطهده وتريد أكل حقوقه، تقف مع الفرد في المحاكم لتوفر له محاكمة عادلة ونزيهة.
تقف مع الأقليات والمضطهدين في دولهم لتوفر لهم حقوق المواطنة، وحق العيش الكريم وألا يضطهدهم المجتمع لأنهم أقلية غير معترف بها.
أقول هذا، لأن الإسلام همه الأول في الحياة الدنيا أن يوفر العدل للإنسان، وألا يظلم أو يستعبد أو تنتهك حقوقه وحريته من قبل أية جهة.
وجوهر الأمر بالمعروف، هو أن يكون العاملون بهذه الهيئة أفرادا متطوعين ومستقلين ولا يتبعون لأية جهة حتى لا تؤثر عليهم أو تتحكم بهم، ولأنهم كذلك ولأنهم بلا سلطة تنفيذية، يطالبون الدول والحكومات والمؤسسات والمحاكم بتوفير العدل للإنسان بالمعروف.
أما النهي عن المنكر، فلا يوجد منكر يضاهي ظلم إنسان أو فئة أو أقلية، لأن الإنسان حين يظلم، هذا يعني أن كرامته امتهنت.
والإنسان حين تمتهن كرامته، يتحول إلى كائن يريد أن ينتقم من هذا المجتمع الذي امتهن كرامته، فيخدع ويغش ويسرق وينافق ويخون، ويتمنى كل الشرور لهذا المجتمع، فيما بقية الأفراد وبسبب الظلم المستبد سيتحولون إلى قطاع طرق كل فرد منهم يريد سرقة ونهب ما استطاع وسط هذا المجتمع الذي تحول إلى غابة الكبار يأكلون حقوق الصغار.
أخيرا أتمنى أن تعيد هيئة الأمر بالمعروف النظر في أولوياتها، فما تقوم به الآن يمكن لوزارة الداخلية القيام به من خلال إنشاء فرع «شرطة الآداب».
فيما الهيئة تندمج مع هيئة حقوق الإنسان، دون أن تتخلى عن شعارها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وأن يكون همها الأول تحقيق العدل للإنسان وحمايته من الاضطهاد، فالدولة الإسلامية فيما مضى كان الناس يحجون لها لأنها توفر العدل للإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه ومذهبه، وكان اليهود والأقليات في أوروبا يهربون إلى غرناطة بحثا عن العدل، الآن وبسبب تخلي البعض عن مهامه الأولية، أصبحت الهجرة عكسية.
أتمنى أيضا ألا يكون هذا المقال سببا في قيام الساعة، فعشاق الهيئة يستحقون أن يعيشوا قبل أن يموتوا.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment