عبدالله المطيري - « صحيفة الوطن السعودية » - 18 / 10 / 2006م
صحيح أن هناك حكماً قضائياً يقول بعدم محاسبة المحتسب وصحيح أن الكثير من العصي رفعت في وجه منتقدي الهيئة، وصحيح أن المآذن تضج بالدعاء على من يحاول أن ينتقد هذا الجهاز الحكومي، إلا أن دمعة شاهدت انسكابها اليوم أقوى من هذا كله و أثمن وتستحق العناء. هذه الدمعة انسكبت من عين طفل لم يتجاوز العاشرة أمسك به عدد من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط الرياض وأركبوه في السيارة وسط بكائه الذي لم ينقطع. كل ذلك بسبب أنه يضع ربطة على رأسه فهم منها هؤلاء أنها تشبه بالكفار ومنكر كبير لا يغتفر أبدا.
بسبب هذا المشهد دارت في رأسي الذي يكاد أن يتشظى الكثير من الأسئلة المؤلمة والمحزنة. أسئلة عن كثير من المعاني الإنسانية التي لا يمكن للحياة أن تكون ممكنة للعيش بدونها تساءلت عن أبسط حقوق الإنسان وعن قيمته وكرامته عن معنى السلطة والوصاية، تساءلت عن الإنسان كيف يبدو حين يعطى عصا مسلطة لا يسأله أحد عن أي رأس وقعت عليه. تساءلت أيضا عن العصر الذي نعيش فيه هل هو فعلا في القرن الواحد والعشرين أم إن عجلة الزمن قد سارت بنا للخلف طبعا المئات من السنين. أحيانا للأسف تبدو السنون الماضية أخف وطئا وقسوة من اليوم.
تساءلت أيضا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيف أصبح ذريعة لمن أراد أن ينتهك أبسط حقوق الناس ويسعى لإذلالهم و تسييرهم على هواه المتقلب باستمرار. تساءلت عن كيف يمكن لهذا الفرد المتسلط أن يفرق بين معروفه والمعروف وبين منكره والمنكر وهو لا يستطيع أن يفصل بين ذاته وبين الحق فهو المجسد له والمنافح عنه والمتكلم باسمه والحامي لحياضه.
كما أنني تساءلت عن الناس كيف يرضون بهذا الذل؟ أحيانا أقول إن الخوف كفيل بإفقاد الإنسان لكل قيمته وأنه ليس أمام الفرد من خيار في تمرير هذه الأحداث حفاظا على رزقه وعياله وأحيانا أقول إن الإنسان حين يتخلى عن كرامته وحريته فهو بالتالي يفقد قيمته كإنسان وليس هناك من عذر لاستكانته وخنوعه. تساءلت وأنا أعلم أني أتحدث عن أبسط حقوق الفرد الكريم أن يحتفظ ببراءته حتى يجرمه من يحق له التجريم. أن يمتلك قيمة الند حين يخاطبه من يتدخل في أدق خصوصياته ويطالبه بتغييرها حين لا تعجبه. هل أشط وأبالغ هنا؟ تعالوا معي لأحدثكم عن هذا المشهد أيضا.
عضو هيئة يوقف مقيما عربيا طالبا منه صارخا ومعنفا أن يأمر زوجته بتغطية وجهها. الزوجة تحاول أن تدفع شره وتغطي وجهها بجزء من حجابها. هل انتهى المشهد؟لا عضو الهيئة يقتاد الزوج وزوجته إلى محل لبيع العبايات ويلزمه بشراء غطاء وجه لزوجته لترتديه الآن. هل يعقل هذا؟سيتساءل البعض نفس السؤال ولكن الكثير يعلمون بأنه ليس بالأمر الغريب وهنا تبرز المشكلة. نحن لا نتحدث عن قضايا فردية جزئية بل عن تصرفات تكاد تكون متعارفاً عليها وتمارس بكل طبيعية.
كان منظر اقتياد هذا المقيم وزوجته رغما عنهم لتلبية رغبات شخص يعلم قبل غيره أنا هذا ليس من حقه وأنه يرغم الناس على رأيه الذي يختاره كان المنظر شديد القبح وشديد الألم وهو أيضا شديد الدلالة. الدلالة على أن الوضع الذي وصلنا له من الاستهتار بالإنسان والتمادي في ممارسة التسلط وأفكار الوصاية أصبح خطيرا جدا و غير مقبول بتاتا بل هو نذير شر كبير بل هو المنكر بعينه أيا كان الشعار الذي ينضوي تحته.
في هذه الليالي ترتفع الكثير من الأصوات داعية على كل من يسخر أو ينتقص من القائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثير من هذه الأصوات لا تفرق بين النقد والسخرية إلا أن وراء كل هذا خلل فكري يجب بيانه وعدم الخضوع له. إن من يقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحقيقته وقبل أي أحد هم رجال الأمن والمعلمون والمعلمات هؤلاء هم من يمارسون هذه المهمة الجليلة في عمقها وأصلها وقيمتها الحقيقية ومع هذا نجد أنهم يواجهون بالنقد وهذا صحيح وإيجابي إلا أن الملاحظ أن هؤلاء الداعين بالويل والثبور لم يرفعوا أيديهم دفاعا عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الحقيقيين. بل إننا شاهدنا وفي غمرة المعارك مع الإرهابيين وحين كانت صدور رجال الأمن تواجه الرصاص وأجسادهم تقطعها القنابل لم نسمع من هؤلاء دعاء على من فعل بهم هذا. بل إنهم رفضوا تعليمات صريحة بالقنوت على المجرمين ومن خشي منهم دعا أن يسقط الله طائراتهم في عبث واضح ومراوغة.
إذن لن تصرفنا شرعية الدفاع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الأخطاء فالقضية قضية تصرفات على أرض الواقع لا تمت لهذا الشعار بصلة ولا يمكن تمريرها بدعوى شعارها، نتحدث هنا عن تصرفات متعلقة بكرامة الإنسان وحرياته وأبسط حقوقه التي يجب أن تكفل ويجب أن ترتفع الأصوات حين تخترق ويتم تجاوزها تحت أي ذريعة وتحت أي غطاء.
هل يرى البعض أن في هذا الطرح مبالغة وتجنياً؟ أريد أن أذكر من نسي أن الأخطار التي تعرض لها وطننا هذا والهزات التي تعرض لها كانت من بعض الذين يرفعون شعار الدين حصرا. فهم الذين احتلوا الحرم المكي الشريف وتسببوا في قتل الناس فيه وهم من فجروا في العليا وفي الوشم وهم من فجروا المنازل السكنية وهم من قتلوا رجال الأمن واستحلوا دماءهم وهم من كفروا الناس و هاجموا مصالح البلاد الحيوية ومنابع النفط وهم من جروا على بلادنا الكثير من الويلات والأزمات مع العالم بأسره. فهل بعد هذا ننخدع بالشعارات البراقة وباستغلال الدين والتستر خلفه. إن لم نستيقظ فمستقبلنا ينذر بشر كبير وهذا هو خيارنا وتحدينا الأكبر فماذا نحن فاعلون؟.
No comments:
Post a Comment