Friday, June 15, 2007

الهيئة ورأس السنة الشيعية




حسين العلق * - 1 / 1 / 2006م -


شاءت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تختم العام 2005م بـ «انجاز» جديد ضمن عملها المتكرر في استهداف الطائفة الشيعية في البلاد، هذا الاستهداف الذي تعددت أساليبه وتنوعت أشكاله بين الحين والآخر، ما بين العنف المادي والعنف الفكري، مع التحفظ على المصطلح الأخير، وهذا «الانجاز» الجديد الذي تفتقت عنه عقول رجال الهيئة هذه المرة، هو الحملة الجديدة في توزيع الكتب الطائفية التي تستهدف الطائفة الشيعية في محافظة القطيف بشكل رسمي وفاضح.

ليس جديدا القول أن استهداف الطائفة الشيعية في البلاد، لم يتوقف يوما واحدا منذ ما يزيد على ربع قرن تقريبا، وقد تعاقبت على الشيعة في المنطقة خلال هذه الفترة الطويلة موجات مد وجزر، راوحت بين صدور فتاوى القتل من مفتين محسوبين بشكل أو آخر على المؤسسة الرسمية، وبين تضمين مناهج التعليم الرسمية نصوصا تكفيرية تنال من هذه الطائفة بأقبح الألفاظ.

وليسمح لي القارئ الكريم بوقفة قصيرة أتساءل فيها مستغربا، كيف لمفتٍ مسلم واحد في هذا العالم أن يفتي بقتل ملايين المسلمين بجرة قلم، لا لشيء سوى لاختلافهم معه في المذهب؟! وكيف سيكون يا ترى شكل الأمة لو أصدر كل مفتٍ فيها فتاوى القتل بحق أبناء المذاهب الأخرى التي تختلف عنه؟!! والأغرب من ذلك هو كيف لدولة تعيش في القرن الواحد والعشرين أن تسمح لنظامها التعليمي بأن يتضمن هذا الكم من الكراهية والحط من كرامة أبناء المذاهب الإسلامية المختلفة. نقول ذلك وبعلمنا أن التطورات الأخيرة تشي بتوجه لا نعلم حتى الآن مداه نحو إعادة الأمور إلى نصابها.

وعودة للموضوع الأساس، يدفع في الحقيقة تصرف الهيئة الأخير في نشر الكتب التكفيرية بحق الشيعة والعام 2005م يلفظ أنفاسه، يدفع بالذاكرة للعودة لـ «انجازات» أخرى حققتها الهيئة في هذا العام، ولو قدر لنا أن نضع رأس سنة شيعية نرصد فيها الإنتهاكات الموجهة من قبل هذا الجهاز لكان نادرا جدا أن يخلو شهر واحد من مثل تلك الانتهاكات، ولرأينا رأي العين كيف يمضي هذا الجهاز الحكومي في عمله وفق أجندته الخاصة، دون حسيب ولا رقيب على ما يبدو! هذه الأجندة البعيدة كليا عن ما نسمعه ونراه من توجهات معلنة للدولة وعلى لسان أكبر المسئولين فيها، حتى ليخال للواحد منا أن هناك سنة ضوئية تفصل بين الكلام والأفعال، وإلى الحد الذي صار معه الكثير من الناس يدركون حجم الازدواجية القائم، أو بالأحرى يعتبرون «الطاسة» ضايعة، أو أنه.. ولسبب ما، يراد لهذه «الطاسة» أن تكون هكذا!!

شخصيا لست محيطا بالطبع بجميع مخالفات وانتهاكات رجال الهيئة التي جرت ولا زالت على مدى العام الفائت، فبعضها لا نسمع عنه، وبعضها الآخر لا نكاد نسمع عنه الا وقد نزل «القضاء»! إلا إن المقدار المتوفر لدينا مع ذلك «خير وبركة»! فقد تكررت مرارا تلك الأفعال بين أحكام الجلد والتعدي بالضرب والتدخل لايقاف العروض المسرحية، أو الاعمال الفنية ذات العلاقة بالمناسبات الدينية، وذلك عبر مساحة تمتد من ساحات الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، وصولا للأحساء والقطيف، في ملف حافل وسيناريو مكرر يبدأ من الإدعاء جزافا بسب الصحابة، أو زيارة القبور، أو حمل الأدعية الشركية، ولا ينتهي سوى مع الوقوف أمام الإدعاء العام والقضاء.. فالشرطة للتنفيذ طبعا!

والأعجب أن التهمة الأخيرة وأعني بها حمل الأدعية الشركية، طالت مؤخرا الشباب الشيعة الذين يحتفظون بمقاطع صوتية منها في أجهزة الهواتف الجوال، فيحاسبون عليها عندما يقعون في قبضة الهيئة لسبب أو آخر، كما حدث تماما مع الشاب الشواف في العاصمة الرياض، هذا الشاب الذي أتهم وعوقب بالجلد بسرعة البرق قياسا بالعرف القضائي المتعارف عالميا لاحتفاظه بمقطع صوتي لدعاء!

وهنا يحضرني عمود الكاتب قينان الغامدي الذي تهكم فيه على تطبيق الهيئة لنظام العقوبات السريعة والفورية، وهو أن يجلد أي مخالف للشرع بنظر رجل الهيئة فورا وفي مكان المخالفة دون عودة لا للقضاء ولا للشرطة، بل يعود الأمر كله لتقدير رجل الهيئة، وعلى قول الشاميين «هو ومدة إيده.. »!!

اللهم لا اعتراض، لكن يحق لنا كما أظن أن نتساءل، هل انتهينا من إطلاق كل خدماتنا الفورية في خدمة المواطن، حتى لم يبق إلا الجلد الفوري!! هل وضعنا –مثلا- نظاما شفافا للقبول الفوري وغير المشروط «بواسطة» في الجامعات والكليات المرغوبة من الطلاب؟ وهل وضعنا نظاما لمنح القروض العقارية الفورية للمواطنين دون الحاجة للانتظار أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن؟! وهل وضعنا نظاما فوريا لاستيعاب العاطلين عن العمل في سوق تتبحبح فيه عمالة أجنبية تقدر بـ 6 مليون؟ بل هل وضعنا أنظمة فورية لخدمات عادية جدا كتجديد أو إصدار جواز سفر أو رخصة بلدية أو سجل تجاري أو جمعية أهلية أو مجرد مجالس أحياء تهتم بتنظيم شئون الأحياء السكنية؟ أقول هل أوجدنا نظما فورية للقبول بتلك الخدمات دون سين وجيم ودون أن يدخل الواحد في حيص بيص مع الإجراءات البيروقراطية التي تنتهي في أحيان كثيرة بالرفض؟ فهلا أوجدنا مثل تلك قبل الشروع في تطبيق نظام لعقوبات فورية مخالف لكل الأعراف المتبعة حتى في أكثر الدول تخلفا ورجعية..

وعودة لموضوع توزيع الهيئة للكتب الطائفية، لعل من المفيد هنا أن نورد وجهة نظر برزت في الأيام الأخيرة، تعليقا على خبر توزيع الكتب الطائفية، وبدت منطقية بنظر البعض، ومفادها؛ أن يوزع متشددون كتبا هي في حقيقتها أقرب لأدب الأطفال لفرط ما فيها من قصص مسلية، فذلك أهون بكثير من يوزعوا شيئا آخر!! إذ مهما يكن، فإن بعض الشر أهون من بعض!

بيد أن الحقيقة هي أن ما يفعله رجال الهيئة في القطيف هذه الأيام أمر غير مقبول وخطوة استفزازية بكل المقاييس، ولا يمكن أن تسفر إلا عن نتائج عكسية، ولعل القائمين على هذه الحملة الجديدة لا يدركون أنهم ساهموا من حيث يدرون أو لا يدرون وطوال ربع قرن، في أن يتجه قطاع واسع من أبناء الشيعة للاطلاع والقراءة في المجال العقائدي، بحيث صارت كتب الحوار المذهبي، وكتب «المتحولين» للمذهب الشيعي هي الأكثر طلبا في فترة من الفترات، والأغلب على رفوف المكتبات المحلية.

ولذلك نقول إن فتح جبهة جديدة في مضمار التراشق المذهبي، وبهذه السبل الغبية، وعبر توزيع هذه الكتيبات البلهاء، لن يخدم أحدا، وقد تدفع الطرف الآخر هذه المرة لابتكار سبله الذكية لإيصال إنتاجه الثقافي في هذا المجال إلى المتلقي على الطرف الآخر، فإن يكن لديكم بضع كتيبات لكتاّب مجهولين فلدى الآخرين كتبا ومجلدات أكثر شمولية ورصانة، لكتاب وأساتذة وأكاديميين ورجال دين تعرفونهم أنتم جيدا، منهم الشيعة بالأصل ومنهم المتشيعون.

فلا يسركم بالطبع أن يوزع على أبوابكم خلسة كتاب «لله ثم للحقيقة» للشيخ علي المحسن ردا على كتاب «لله ثم للتاريخ» وهو لمؤلف مفبرك والموزع خلسة على أبواب أهالينا في سيهات؟ وبالتأكيد ستعتبرونها قمة الاستفزازية والإهانة لو قام أحد بتوزيع كتب السيد التيجاني السماوي أو إدريس الحسيني في أسواق القصيم مثلا ردا على توزيع الكتب الاستفزازية في شوارع القطيف.

فلا تغرنكم هذه القصاصات الصفراء.. ودعوها فإنها منتنة! وتوزيعها تصرف يفتقد الكثير من الحكمة، تماما كتضييعكم أوقاتكم فيما لا يفيد، من خلال اللف والدوران في الأسواق العامة والشوارع، وأنتم تعلمون بأن من يريد الصلاة فهو أعلم بطريقها دون انتظار «جمس» الهيئة.

أخيرا إذا كان للناس من أمنيات في مطلع العام الجديد، فإن أمنيتنا أن نكف أيدينا عن بعضنا، فلسنا موكلين بإيمان الناس وكفرهم، فلهم رب خلقهم وهو من يحاسبهم، فلن يفيد عملكم هذا سوى في تصعيد التشنجع الطائفي، وإثارة اللغط الذي لا داعي له، وفتح الجيوب بين صفوف المجتمع وأبناء الطائفتين، وهذا أبعد ما يكون عن الأمر بالمعروف، إن لم يكن من أشد المنكرات.

أما عن الجهات الرسمية في هذه المعمعة فهي نائمة في العسل على ما يبدو! ولا نقول لهم هنا إلا.. صح النوم يا عسل! فإن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة «هيئة»!

No comments: