Friday, June 15, 2007

الادعاء العام آخر صلاحيات الهيئة

جريدة الوطن الأربعاء 27 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 13 يونيو 2007م
المحامي عبدالرحمن اللاحم
قانون الإجراءات الجنائية في أي دولة، السياج التشريعي المنيع لحقوق وحريات الأفراد، فهو يوفر الضمانات القانونية للأفراد في جميع مراحل الدعوى الجنائية، كما أنه يوازن بين حق الدولة والمجتمع في العقاب الذي يحتم اتخاذ بعض الإجراءات الماسة بحرية المتهم، وبين حق المتهم في الحرية الفردية، بحيث تكون كافة الإجراءات المتبعة معه تأتي في سياق القانون، ومن قبل الجهات المخولة نظاماً بذلك، وأن تلتزم جهات القبض والتحقيق بالضمانات الأساسية لحقوق الإنسان التي تكفل عدم التعسف في المساس بحريته، وكفالة حقه في الدفاع عن نفسه، وأن يكون التعامل معه على أساس القاعدة الحقوقية الراسخة ( أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته)।وقد سنت الدولة نظام الإجراءات الجنائية ليكون الأرضية القانونية في التعامل مع المتهم أثناء القبض والتحقيق والمحاكمة ويوفر له الضمانات القانونية ضد أي ممارسات تعسفية وحدد النظام بشكل واضح الجهات التي يحق لها القبض والتحقيق وضوابط ممارسة تلك الصلاحياتكما أنشأت الدولة هيئة التحقيق والادعاء العام لتكون الجهة الرسمية المخولة رسمياً بالتحقيق و بتحريك الدعوى العام والنيابة عن المجتمع و الدولة في المطالبة في إيقاع العقوبات على مرتكبي الجرائم وبالتالي فلا يجوز لأي فرد أو جهة حكومية أخرى مباشرة هذا الاختصاص لأن في هذا افتأت على الدولة وتجاوز وتعدي على صلاحيات أجهزة حكومية أخرى كما أن المؤسسات القضائية لا يجوز لها أن تقبل الدعوى العامة إلا إذا حركت من قبل الجهة التي أوكل إليها هذا الاختصاص وأن ترد أي دعوى تحرك من قبل جهات أخرى، أو من قبل أفراد لانعدام الصفة بالدعوى, وهي من أهم الشروط الأساسية في قبول الدعوى। إلا أنه ومع وضوح تلك الفكرة من الناحية النظرية، نجد أن هناك حالات تم رصدها، مارست فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مهمة الادعاء العام وحركت الدعوى العامة ضد أشخاص أمام الجهات القضائية وقبلت الدعوى من قبل الجهات القضائية، وصدرت فيها أحكام واكتسبت القطعية، مع أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهة ضبط جنائي مهمتها تنحصر فقط في (॥البحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام।) كما نصت عليه المادة الرابعة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية، وعليه فأنه لا يجوز لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مباشرة الادعاء أمام المحاكم، سواءً بالقضايا التي تضبطها أو بغيرها ومتى ما باشرت هذا الاختصاص فإنها والحالة هذه، تكون قد عدت على اختصاصات هيئة التحقيق والادعاء العام، التي تعد المرجعية المهنية لأعمالها، وافتأت على سلطة جهاز حكومي منشأ بمرسوم ملكي، ذي اختصاصات محددة لا يجوز التعدي عليها।وكل هذا يعد من المسلمات القانونية التي لا تقبل الجدل ولاسيما وأن النظام قد أكده بما لا يفيد اللبس ومع هذا كله نجد هذا التعدي الصريح لتلك المسلمة، ونتعجب في الوقت ذاته من قبول الجهات القضائية سماع الدعاوى من قبل الهيئة، مع تلك النصوص الواضحة الصادرة من الدولة، والتي لا يجوز القفز عليها تحت أي ذريعة إن إي إصلاح حقيقي لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن يبدأ من تحديد واضح لاختصاصاتها التي تورمت بشكل كبير حتى تعدت على اختصاصات الكثير من الوزارات في الدولة فنجد أنها تمارس ( القبض) و( التفتيش) و ( الادعاء أمام الجهات القضائية ) وفي حالات معينة ( تمارس أعمالا قضائية ) إذ نصت المادة الرابعة من نظامها على أن لها أن تحكم على المتهم بأخذ التعهد والتوبيخ والتأديب بالجلد وبحد أعلى خمسة عشر سوطاً أو عقوبة الحبس لمدة ثلاثة أيام وأخيراً لها أن ( تنفذ) ذلك الحكم !! فماذا بقي للأجهزة الحكومية الأخرى ؟مع هذه السلطة المطلقة من المنطقي أن نرى تجاوزات يومية لهذا الجهاز وتعدي على قدسية الإنسان وانتهاك لخصوصية المواطن تحت لافتة الحسبة التي وسعت كل شيء, في ظل عدم وجود نظام محاسبي داخلي في الهيئة أسوة ببقية الأجهزة الحكومية الأخرى, يُقوّم ما يحدث من انحراف بالسلطة، وفق القواعد القانونية السارية في الدولة حيث لا يوجد في الهيئة جهاز قانوني يقوم بمحاسبة موظفي ذلك الجهاز، ويتلقى الشكوى من الجمهور, ويحقق فيها وفق الأصول القانونية المعمول بها في كل قطاعات الدولة، إلا أن قيادات الهيئة اقتنعوا أخيراً بجدوى مثل تلك الإدارة القانونية، حيث أعلن معالي الرئيس العام للهيئة الشيخ إبراهيم الغيث في المؤتمر الصحفي المنعقد يوم الأحد الماضي (عن إنشاء إدارة للأنظمة القانونية لتكون مرجعا لرجال الهيئة وترصد المخطئين والمقصرين) وكأنه لابد لنا من أحداث مؤسفة كالتي حدثت في الفترة الأخيرة من قبل بعض أفراد الهيئة حتى تقتنع قيادات الهيئة بوجود إدارة قانونية تعالج وتقوم أداء موظفي الهيئة.وبما أن الجهات القضائية قد قبلت الهيئة كمدعي في الحق العام, وأطفت الشرعية على هذا الاختصاص الأخير لها، فلن نفاجأ يوماً إذا ما رأينا الهيئة تحرك دعوى حسبة على من جهر بنقدها وطالب بإصلاحها أو من ترى أن فيه انحرافاً فكرياً أو عقدياً، لأن الأبواب من الناحية القضائية أصبحت مشرعة لذلك ما لم تسد بتدخل تشريعي صارم يعيد الأوضاع إلى نصابها القانوني السليم.
رابط آخر من منتدياتنا الشبكة الليبرالية السعودية

No comments: