Friday, June 15, 2007

ليس من عمل الهيئة

اطلعت بالأمس على الخبر المنشور في "الوطن" عن قضية وفاة مواطن في الخمسين من عمره أثناء احتجازه والتحقيق معه في مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتبوك। وذكرت حادثة أخرى في الخبر ذاته جاء فيها أن أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل وجه بالتحقيق في حالة سقوط سيدة من عمارة في جدة قبل أيام أثناء مداهمة الهيئة। وقبل ذلك نشرت "الوطن" يوم السبت 26 مايو 2007 خبراً عن القصة المأساة المتمثلة في وفاة المواطن سلمان الحريصي وهو شاب يبلغ من العمر 28 سنة وهو والد لطفل عمره 8 سنوات وكيف أن هذا المواطن ضربته فرقة ميدانية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام والده في منزل العائلة الكائن في حي العريجاء غرب مدينة الرياض ثم اقتادته تلك الفرقة الميدانية إلى مركز الهيئة برغم أنه كان ينزف الدماء في تلك اللحظات حيث تمت مواصلة ضربه هناك حتى أدركته الوفاة، نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولذويه السلوان والعزاء। استوقفني هذا الخبر والأخبار التي تلته وأسفت على روح السيدة التي لم تظهر أسباب وفاتها بعد، وعلى روح الرجل الخمسيني الذي يبدو أنه بريء من تهمة الخلوة الموجهة له، وكذلك على روح ذلك الشاب الصغير في الرياض الذي داهمت الهيئة منزله بتهمة ترويج المخدرات فحتى لو ثبت حقاً أنه مروج مخدرات فإن الشؤون الأمنية لا تؤخذ هكذا، حتى وإن كان المتهم مجرماً فعلاً فله الحق في أن يتم اعتقاله بطريقة حضارية لا يضرب فيها ولا يهان ولا يعذب ثم يقدم للمحكمة التي تنظر في أمره حتى يلقى فيها محاكمة عادلة تحفظ إنسانيته في مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه أمام القضاء، لا أن يقوم رجل الهيئة بتنفيذ كل هذه الأدوار بنفسه، فحق كل إنسان يجب أن يكون مكفولاً في الحرية والسلامة الشخصية فلا يجوز اعتقال أحد أو حجزه أو القبض عليه دون سند قانوني ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يعذب أي إنسان سواء جسدياً أو نفسياً أو أن يعامل معاملة عنيفة تحط من الكرامة الإنسانية.والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نهاية المطاف هو واجب الجميع فإدارة مكافحة المخدرات على سبيل المثال تقوم بممارسة هذا الواجب عندما تلاحق تجار المخدرات وتداهم أوكارهم ولا يلزم أن يكون من يقوم بهذا الواجب ينتمي لتوجه ديني أو ذي طابع تعاليمي معين والذي ينبغي أن يدرك أن مثل هذه التصرفات التي لم تكن تزعج الكثيرين في الأزمنة الأولى بحيث يمكن أن تبرر مثل هذه الجريمة بأن المحتسب أخطأ فله أجر واحد أصبحت اليوم غير مقبولة بتاتاً ولا يمكن أن يبرر الإسلام حالة موت إنسان بهذه الصورة البشعة مهما كان جرمه ومهما كانت جريرته، والمذنبون هنا لا بد أن يقدموا للمحاكمة العلنية ولا بد أن ينالوا العقاب الشديد الذي يستحقونه على هذه الجريمة النكراء - إن ثبتت - لكي يكونوا عبرة لمن خلفهم ممن يستهتر بحياة الناس بهذا الشكل الفج وكأنما يتعامل مع البشر وكأنهم ليسوا ببشر.لدي قناعة راسخة أن الشؤون الأمنية من ملاحقة للمجرمين والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة لا بد أن تكون بيد العسكريين فقط، لأن العسكري قد تلقى التدريب النظري والميداني على مثل هذه الممارسات الحساسة، وفي مؤسسة مثل كلية الملك فهد الأمنية يمكث الطالب 3 سنوات كاملة ليقال إنه امتلك القدرة على أداء هذه الوظيفة الخطيرة التي تتعلق بالتعاطي المباشر مع الناس وربما مداهمة بيوت المجرمين وحتى الاشتباك معهم. والاعتقال لا بد أن يكون بضوابط معينة ووفق تفاصيل دقيقة محكمة كما ورد في نظام الإجراءات الجزائية على أن يستمر تطوير الأجهزة العسكرية ومتابعة أدائها بحيث تكون في خدمة الوطن والمواطن قولاً وفعلاً.الإخوة في جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم أولاً وأخيراً مدنيون وليسوا بعسكريين، والحماسة الدينية والغيرة الوجدانية لا تكفيان وحدهما للتصدي لهذا الشأن الخطير وأعتقد أن عمل رجال الهيئة يجب أن يتلاشى منه جانب الاشتباك والمداهمة حرصاً على حياة وسلامة الجميع ومنهم رجال الهيئة.مثل هذه المهمات قد لا تكون محمودة العواقب عندما ينتهض لها من لا يملك التدريب العسكري الذي يؤهله لهذا ولا الإعداد التأهيلي الملم بالقواعد والأسس الإجرائية لعمليات القبض والضبط والإحضار كما تنص عليه الأنظمة السعودية ولا بحقوق الإنسان المتفق عليها دولياً والتي وقعت المملكة العربية السعودية عليها من ضمن من وقع وهي ملتزمة أمام العالم باحترام هذه الحقوق وبالتالي فمن واجب كل من يمثل البلد ممن يعمل في هذا المجال أن يستحضر تلك التفاصيل عندما يقوم بمداهمة بيت ما أو يلقي القبض على شخص ما ولا بد من بث الوعي لدى المعنيين بهذه الحقوق ونشر هذه الثقافة. *

خالد الغنامي* كاتب سعودي

المصدر

http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2439&id=690&Rname=53

No comments: