Friday, June 15, 2007

الشرطة الدينية.. محاولة لتفكيك الوظائف والممارسات 3-3



ناظم العلي * - 6 / 5 / 2006م

الحاجة الى مبادرة وطنية لتفكيك الهيئة

«الدعوة الى الغاء هيئة الامر بالمعروف لا ينبغي ان تصدر عن مواطن سعودي..» بهذا القول اجاب وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبدالعزيز اعلاميا سعوديا في مؤتمر صحافي قبل ثلاثة اعوام حين سأله عن حقيقة الاخبار المتداولة عن عزم الدولة لالغاء هذا الجهاز.

كانت الشرارة الاولى للحديث العلني والصريح عن فكرة الغاء الهيئة قد تزامن مع حريق مدرسة البنات بمكة المكرمة وما أثير من ارباك الهيئة لعملية الانقاذ، بدعوى الخوف من خروج الفتيات بلا حجاب او عباءة، الامر الذي نتج عنه وفاة خمس عشرة طالبة بنيران الوسواس الاخلاقي الذي مازال يحكم سلوك الهيئة ويحدد اطار عملها.

لم يظهر الوزير في تصريحه فقط اصرار الدولة على بقاء الهيئة وانما ابان عن طبيعة الموقع الذي تحتله ضمن هيكل الاجهزة الرسمية، فالاجابة تحمل في طياتها تحذيرا صريحا لوجهات النظر التي تشكك في قيمة الهيئة او تدعو الى النظر في ضرورة وجودها، في اشارة الى حسم لا يقبل الجدل حول استمرار بقائها كخصوصية من خصوصيات نظام الحكم في البلاد.

ينبغي فهم التصريح على انه توجيه من الوزير للكف عن التفكير في تعطيل هذا الجهاز الذي يتنبى عنوانا دينيا واسعا الا وهو «الامر بالمعروف والنهي عن المنكر»، الاتساع الذي يجعل من كل الموضوعات والقضايا اليومية تملك قابلية الدخول ضمن اختصاصاته.

هي اذن بحسب الوزير مسلمة وطنية تستعير من اتصالها بذلك المبدأ المتسالم عليه في الشرع الاسلامي حصانتها الدائمة ضد التهميش او الالغاء، وعليه قد يستحيل النقد لها تطاولا على مسلمات الدين وشروعا في الانحراف عن مبادئه.

واضح انه هناك على حرص على عدم الفصل بين هذا المبدأ والمؤسسة التي تتعنون به، لا يراد للحديث عن احدهما ان ينطلق بمعزل عن الآخر، وعلى هذه الشاكلة يريد المنتصرون للهيئة ان يحيلوا اي تشكيك في مشروعية الهيئة الى تشكيك في اصل المبدأ وحقيقته الدينية، في حين ان وجه الخلاف السائد هو حول مبررات احتكار الهيئة لهذا العنوان الواسع الذي يأتي كثيرا مشوها ومنقلبا على مقاصده النبيل.

اذن الفصل بين الامرين هو السبيل للحفاظ على وجاهة الاعتراض، وخلخلة تلك الاجوبة الصارمة التي تجعل من الهيئة سورا حصينا لا يمكن مسه، فمن غير الصحيح تقييد فعل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بجهاز الهيئة طالما ادركنا المساحة الواسعة التي تنطلق فيها هذه الشعيرة الدينية، فاجهزة الشرطة والمرور والتعليم والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني تساهم بالكثير مما يحسب في خانة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كشف اوكار الخمور، القبض على المشعوذين، مصادرة الاشرطة الاباحية، تنظيم المحاضرات التوعوية..هذه هي غالبا قائمة الانشطة التي تقوم بها الهيئة... لن تجد فيها ما يخرج عن حدود الاشياء التي تنشغل بها تلك الجهات المذكورة، بل الهيئة في الاغلب تزاحم الجهات ذات الاختصاص في اختصاصاتها، وتسلب منها استقلاليتها، الامر الذي يرجح القول بأنها جهاز زائد عن الحاجة، ويمكن اختزاله في النشاط الدعوي فقط لتساهم في رفع الوعي الاخلاقي متى ما كانت هنالك آليات واضحة لهذا النشاط.

تجريد الهيئة مما تتمتع به من سلطة رقابية وتنفيذية على السواء قد يكون الخطوة الصحيحة لتصحيح العلاقة بينها وبين الشارع الذي يتذمر من حضورها الثقيل في حياته اليومية، ويشتكي من تجاوزتها المتكررة على الحريات العامة، وعدا ذلك ستظل الهيئة تفعل افاعليها مستترة بغطاء الدين ليبقى المجتمع اسيرا لذهنية تعشع فيها الغربان، ولا تلتفت الى حاضرها الا من ثقب الماضي.

No comments: